بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 1 مايو 2011

مصر أسباب وتداعيات الثورة


كنت وأنا أحضر لهذا المقال بصدد كتابة مقال سياسي مرتكز على الواقع الاقتصادي في مصر قبل الثورة, و لكن ومن خلال التحضير استوقفني منهج جديد في العلوم الاجتماعية , أو تستطيع أن تقول أنة علم لا يحظى بنفس الاهتمام الذي تحظى به العلوم الاجتماعية الأخرى وهو علم النفس الجماعي وهو علم يستخدم أدوات التحليل النفسي في دراسة الظواهر الاجتماعية, حيث ينطلق هذا العلم من دراسة الإنسان الفرد في علم النفس التقليدي إلى دراسة المجتمع كوحدة واحدة أو بكلمات أخرى كفرد , فتتحول الأنا الفردية إلى جزء من أنا أكبر هي المجتمع المكون من مجموعة ( الأنا ) والتي تجمعها الهوية المشتركة( اللغة – الدين - العرق – المصير المشترك – العلاقات الاقتصادية ) .

إذا سنتعامل في هذا المقال التحليلي مع المجتمع المصري ( كأنا) واحدة أو كإنسان واحد يعيش في بيئة معينة هي المحفز والتي تحتاج إلى حافز كي تقوم بهذا الفعل ( الثورة ) وسنخوض في هذا المقال في الأسلوب والأدوات التي استخدمتها الأنا المصرية للقيام بالفعل ( الثورة ) وسنخوض أيضا في أثر هذا الفعل على المحيط وعلى الأنا الأكبر ( الأمة ) وعلى المنطقة وما قد يفزره هذا الفعل من تغيير في الميزان

الجيواستراتيجي للمنطقة والعالم .

المحفز - البيئة قبل الثورة

الوضع الاقتصادي :

مع مجيء الرئيس الأسبق أنور السادات إلى الحكم في مصر شهدت مصر انقلاب وتغيير واضح في هيكل الاقتصاد المصري , حيث تم وفي سنوات قليلة التحول من الاقتصاد الاشتراكي والذي كان يوفر مظلة حماية اجتماعية لطبقات السفلى في الهرم الاقتصادي للمجتمع من خلال الدعم المباشر (المساعدات والدعم لسلع الأساسية ) ومن خلال توفير فرص العمل في المشاريع الحكومية التي يوفرها الاستثمار الحكومي إلى الاقتصاد الرأسمالي ونظام السوق المفتوحة و الخصخصة .

حيث تم بعد معاهدة ( كامب ديفيد ) وصولا إلى يومنا هذا القضاء شبة الكامل على القطاع العام من خلال خصخصته و رافق ذلك عمليات فساد كبيرة أدت إلى خروج ملايين المصريين من تحت مظلة الحماية الاجتماعية .

و أفرزت هذه العملية بتزامن مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية مثل ( الدقيق والسكر والوقود .....) وارتفاع مستوى الضرائب المفروضة من قبل الحكومة المصرية والتي كانت تحاول سد العجز في الميزانية العامة لدولة إلى دخول حوالي (40 % ) من الشعب المصري تحت خط الفقر ( خط الفقر هو إنفاق دولار في اليوم ) .

وفي ظل هذا الوضع الاقتصادي المشار إليه تم القضاء شبة الكامل على الطبقة الوسطى ودخول أغلبها إلى حدود منطقة الفقر في سلم الهرم الاقتصادي, و سبب ذلك عدم توازن في توزيع الثروة حيث تحتكر طبقة تشكل ( 1%- 5 % ) من المجتمع 50% من الثروة في الدولة .

لتظهر طبقة من رجال الأعمال الفاسدين و التي وفر لها صانع القرار مظلة حماية بواسطة الجهاز الأمني , و لتقوم هذه الطبقة من رجال الأعمال على نهب الدولة بطريقة منهجية مستمرة في جميع المجالات الاقتصادية و ليتحول المجتمع المصري إلى مجتمع فقير معدم .

وقد تم خلال عملية الخصخصة القضاء على مجالات اقتصادية هامة وتاريخية لعدم توفر عنصر الجذب فيها مثل الزراعة وليشكل ذلك خطرا كبيرا على الأمن الغذائي لمصر .

و رافق ذلك أيضا ظهور الآفات الاجتماعية التي تصيب المجتمعات الفقيرة عادة حيث ارتفعت مستويات الأمية والتي بلغت حوالي 25% وفق الإحصاءات الرسمية الأخيرة و انتشرت الجريمة المنظمة خاصة في العشوائيات التي نشأت على أطراف المدن و انتشرت الأمراض السارية مثل الكبد الوبائي والذي تحتل مصر المكان الأول عالميا في عدد المصابين به حيث يمثل عدد المصابين حوالي 20% من عدد السكان ذلك بسبب تأكل منظومة الخدمات الأساسية مثل الصرف الصحي والمياه وغيرها من الخدمات وبسبب ضعف المنظومة الصحية أيضا .

- الحريات والوضع السياسي الداخلي :

بكلمات قليلة و بكل تجرد وبكل موضوعية تستطيع أن تطلق وصف نظام بوليسي على نظام مبارك حيث ومن خلال الإحصائيات الرسمية والتي أصبحت متداولة في الإعلام تستطيع أن تلاحظ هذا الأمر فلكل 42 مصري هناك رجل أمن واحد وفق الإحصائيات الرسمية عدى عن المنظمات غير المعلنة التابعة لجهاز امن الدولة .

جهاز امن الدولة المصري وخلال فترة مبارك أصبح اليد الطوله لنظام و أداة القمع الأساسية لكل المعارضين الحقيقيين . حيث سكن جهاز أمن الدولة في العقل الجمعي المصري مع الخوف والقمع والتعذيب وهذا يفسر العداء الكبير لجهاز امن الدولة خلال الثورة حالية .

ضمن المناخ الأمني المشار إليه كانت تتم عملية مصادرة ممنهجه لصلاحيات كل من السلطة التشريعية وهي السلطة الأسمى في النظام الديمقراطي والمتمثلة في مصر بمجلس الشورى والشعب وللسلطة القضائية بمختلف مؤسساتها , وكانت عملية المصادرة لهذه الصلاحيات تتم بطرق مختلفة إبتداءا من التزوير إلى تعديل الدستور بواسطة مجالس تشريعية مزورة وصولا إلى التهديد المباشر والقمع . كل ذلك في سبيل منح السلطة التنفيذية الفاسدة شرعية دستورية , السلطة التي يقف على رأسها الرئيس فاقد الشرعية مبارك محاطا بعدد من رجال الأعمال الفاسدين ماليا واقتصاديا امثل حبيب العدلي واحمد عز وغيرهم من رجال الأعمال الفاسدين .

عملية مصادرة صلاحيات السلطة التشريعية :

السلطة التشريعية هي السلطة الأسمى كما ذكرنا سابقا في النظام الديمقراطي وهي بالعادة تقوم بدورين أساسين في النظام الديمقراطي ( المراقبة و التشريع ) ولذلك قام النظام المصري بمصادرة جميع صلاحياتها وتعطيل دورها في سبيل ممارسة عمليات الفساد والاختلاس الممنهج بواسطة خلق حالة من الديمقراطية الوهمية والتي كان من خلالها يحاول تجميل وجهة القبيح فقام بالسماح بإنشاء الأحزاب الصورية كي لا يظهر الحزب الحاكم على أنة يحتكر السلطة مع أنة طوال مرحلة الأحزاب التي ابتدأت منذ عهد الرئيس السابق أنور السادات لم يهبط مستوى تمثيله إلى اقل من ثلاثة أرباع مجلس الشعب .

أضف إلى ذلك التزوير المستمر والمباشر للانتخابات واستخدام جهاز امن الدولة و (البلطجية ) لقمع أي حراك سياسي اجتماعي مهما كان بسيطا .

السلطة القضائية :

ببساطة ومن خلال السيطرة على السلطة التشريعية كان نظام مبارك يغطي كل ما يقوم به من تجاوزات بغطاء قانوني ودستوري وفي الحالات القليلة التي أستطاع القضاء المصري الخروج من إطار هذه المعادلة كان مكان قراراته الأدراج المهملة .

ففي قضية بيع الغاز لإسرائيل ضرب النظام المصري عرض الحائط بقرار المحكمة القاضي ببطلان وبعدم شرعية وقانونية صفقة التصدير وقام بإتمام الصفقة مع وجود هذا القرار الصادر عن محكمة القضاء الإداري .

السلطة الرابعة - الصحافة

أحكم النظام المصري السيطرة على الإعلام الخاص والعام وقام باستخدامه كجهاز دعائي روج من خلاله لنفسه وشوه بواسطته كل معارضيه , و استخدمه كوسيلة لإلهاء الشعب وتفتيت المجتمع , وقد تعامل النظام المصري مع الإعلام الخاص وتحكم به من خلال منح التراخيص ومنح الامتيازات لرجال الأعمال التابعين لمنظومة الفساد الموجودة على رأس السلطة التنفيذية والتي تركزت كل السلطات في يدها لتتحول عمليا إلى السلطة الوحيدة في الدولة .

وكان من الطبيعي في ظل هذه النظرة أن يهمش الصحفيون الحقيقيون وان تقمع أي محاولة لتعبير الصادق عن طموحات الشعب وأن يتم الترويج لإعلاميين تجمعهم المصلحة المشتركة مع النظام .

ربما أصدق تعبير عن حقيقة الإعلام المصري في عهد مبارك هي طريقة تغطية مباراة الجزائر والمشكلة التي جرت فيها . فقد لعب الإعلام المصري دورا كبيرا في الترويج وفي تضخيم الحدث , كل ذلك في محاولة لصرف نظر الشعب المصري عن القضايا والمشاكل الداخلية المزمنة , ضاربا عرض الحائط ومشوها للقيم سكنت العقل الجمعي المصري لعقود مثل( الأخوة – العروبة- المصير المشترك ) في محاولة من النظام لتبرير موقفة من القضايا العربية وخاصة في حرب غزة الأخيرة .

الحريات الفردية والترويج لطائفية :

على صعيد الحرية الشخصية كان النظام ينطلق من نقطة أساسية وهي أنك تستطيع أن تمارس أي نشاط أو فعل ما لم يكن سياسيا أو يمس بنظام الحكم القائم . فكان كل من يمارس أي نشاط حزبي أو اجتماعي نابع من أي توجه ( يساري – إسلامي – قومي – ) يتم وضعة تحت المراقبة وتتم ممارسة أقصى حالات الإذلال والقمع بحقه والتي قد تصل إلى حد الموت كما حدث لشاب خالد سعيد في الإسكندرية على سبيل المثال لا الحصر , فقد تم تعذيب خالد سعيد حتى الموت على أيدي اثنين من مخبري الشرطة لأنه سألهم فقط عن سبب تفتيشه و طلب إذن النيابة ليسمح لهم بذلك .

ربما من أسوء ما جرى في عهد مبارك على صعيد المجتمع هو تفكك الأنا المصرية الجامعة المرتكزة على قيم مثل ( العروبة – الأمة – الولاء لدولة ) إلى مجموعة من ( الأنا ) منطلقة من الولاء لدين والطائفة والمنطقة وقد كان لسان حال النظام دائما في عهد مبارك يقول أنا أو الحرب الأهلية بين الأقباط والمسلمين وقد خوف الناس بهذا الأمر داخليا وروج لها خارجيا مستغلا حالة الإسلاموفوبيا التي نشأت بعد الحادي عشر من سبتمبر .

وقد جاءت الثورة الحالية في اللحظة التاريخية الأنسب لتقوم بصهر الأنا المصرية والعربية من جديد وتصبها في قالبها الصحيح والذي يرى في الأمة الجامع المشترك والجهة المعبرة عن الإرادة الشعبية .

السياسات الخارجية :

السياسة الخارجية في كل الأنظمة السياسية هي تعبير وامتداد لسياسات الداخلية ولتطلعات النظام السياسي القائم في الدولة . وهذا الأمر يشبه إلى حد كبير علاقة الأنا الفردية للإنسان بالعالم و بطريقة تفكيره فنحن البشر نتعامل مع العالم بنفس الطريقة التي نرى فيها أنفسنا وكان من الطبيعي أن نكون قد طورنا أنظمة مشابهة لطريقة تفكير هذه .

انطلاقا من ما سبق كان من الطبيعي لنظام لا يملك أي تطلع أو رؤية أن يصب جل اهتمامه في أن يستمر أطول فترة ممكنة في الحكم و أن يرهن موقفة السياسي بمن يضمن بقائه أو على الأقل يساعد على ذلك.

فخلال فترة مبارك ترسخت تبعية مصر للولايات المتحدة الأمريكية و لتتحول مصر قائدة العالم العربي والعالم الثالث في الحقبة الناصرية إلى دولة تابعة عاجزة على مستوى الدولي

وقد أدى ذلك إلى خسائر كبيرة على المستوى السياسي و الإستراتيجي و قد سبب ذلك تهديدا حقيقيا للأمن القومي المصري القائم على المثلث المعروف (النيل- الوحدة الوطنية - الجبهة الشرقية ) .

النيل :

أما النيل فهو عصب الحياة وسر وجود مصر ولذلك من الطبيعي أن يكون أحد عناصر الأمن القومي المصري فالحرص على استمرار جريانه بكميات تكفل القدرة على الحياة والتطوير في مصر يعد أحد الركائز الأساسية في منظومة الأمن القومي . وخلال فترة مبارك أهمل هذا الملف إلى أن تفاجئنا في الفترة الأخيرة بمطالبة دول المنبع في وسط شرق إفريقيا بنسبة أعلى من المياه وبنيتها إقامة سدود سوف تأثر على كمية المياه التي تصل إلى المصب في مصر و ذلك لم يجري مصادفة ولكن بتحريض من إسرائيل التي لم تغفل للحظة عن الخطر الذي قد تشكله مصر عندما تستيقظ وقد وضعت لذلك خطة لكي تمنع هذا العملاق من الحركة .

الجبهة الشرقية :

كانت مصر عبر التاريخ تتعرض للخطر من جهة الشرق عبر سيناء وكانت الضمانة الأساسية لمنع هذا الخطر هو الإبقاء على نفوذ من نوعا ما في الشرق خاصة في فلسطين وبلاد الشام بشكل عام وكان هذا النفوذ يشكل نوع من العائق الذي يحول دون تقدم أعداء مصر إلى أراضيها بسهولة .

ولكن و خلال فترة مبارك والتي كانت استمرارا لنهج السادات تم القضاء شبة الكامل على هذا النفوذ فعلى سبيل المثال كان موقف نظام مبارك من حرب العراق ولبنان وغزة موقفا سبب فقدانا كبيرا للنفوذ في المنطقة الشرقية خاصة مع دخول قوى إقليمية ودولية إلى المنطقة مثل أمريكا وحلف الناتو وإيران وتركيا القوى الإقليمية الصاعدة .

الحالة النفسية للمجتمع المصري الناتجة عن الظروف السابق ذكرها :

بسبب ما ذكر شعر العقل الجمعي المصري بالضغط النفسي والذي هو نتاج الظروف والحقائق التي أوردناها , وقد تراكمت مشاعر الغضب والإحباط والغربة في الوطن في العقل الجمعي المصري خلال عهد مبارك ما سبب شعور العقل الجمعي بتهديد لأناة وقد ساهمت ثورة الاتصالات في تغذية هذا الشعور من خلال الصور و مقاطع الفيديو التي تظهر مشاهد القمع والظلم والفقر والمرض , سبب ذلك أيضا حالة من التماهي النفسي على مستوى وحدة البناء الأساسية وهي العقل البشري بصورته الفردية ليساهم ذلك بخلق عقل جمعي غاضب إلى حد الانفجار يشبه برميل البارود الذي يحتاج إلى شرارة كي ينفجر .

الحافز - الشرارة التي أطلقت برميل البارود

الثورة هي فعل مفاجئ في التاريخ البشري ,مفاجئ حتى لكل الباحثين في علم الاجتماع والسياسة ولكن الثورة كفعل ناتج عن العقل الجمعي للمجتمع يمكن دراسته علميا بعد وقوعه .

وهذا الفعل المفاجئ هو نتاج عاملين أساسيين هما المحفز والحافز , المحفز قد تحدثنا عنة فيما سبق ذكره من حقائق ومعلومات . الحافز هو الشرارة التي تفجر برميل البرود الموجود في العقل الجمعي ليتحول إلى فعل

( الثورة) وفي الحالة المصرية كانت الثورة التونسية هي الحافز الذي أنتج الحركة ( الثورة ) ولذلك يمكنا أن نطلق على الثورة التونسية لقب ( بوعزيزي) الثورة المصرية حيث قامت الثورة التونسية المباركة بنفس الدور النفسي الذي قام به الشهيد (بو عزيزي) في تونس فقد سبب التماهي النفسي الناتج عن التشابه في الحالة والموروث إلى أن تتحول الثورة التونسية الشعبية إلى الشرارة التي أطلقت برميل البارود .

وقد ساهمت التقنيات الحديثة الناتجة عن ثورة الاتصالات في تسريع عملية نقل الإشارة العصبية إلى العقل الجمعي المصري من خلال الصورة الثابتة والمتحركة .

أثر الثورة المصرية على المنطقة والتاريخ

ربما يمكن أن نقسم أثر الثورة المصرية على الأمة إلى قسمين هما الأثر العقلي الثقافي و الأثر الجيواستراتيجي :

الأثر الثقافي العقلي :

لطالما كانت مصر مصدرا ومنبعا للإشعاع الثقافي ومحط أنظار العالم العربي وسيكون لثورتها أثر كبير على العقل العربي وسيشمل هذا التأثير كل مناحي الحياة والتيارات الفكرية وربما أبرز ما ستقوم به الثورة المصرية خلال السنوات القليلة القادمة هو إعادة صهر الأنا العربية وتشكيلها من جديد وفق معايير عقلية سليمة حيث أن المنطقة العربية وخاصة في الشرق سوف تتجاوز خلال سنوات الفكر الطائفي الذي نبت فيها جراء الحكم الفاسد المستبد والاحتلال أضف إلى ذلك أن الثورة المصرية ستكون السبب في تحرر العقل العربي من عقد النقص والعجز التي رافقته لقرون ما سيشكل دافعا وسببا من أسباب النهضة القادمة أما على مستوى التيارات السياسية فسوف نشهد تغيرات هائلة على الصعيد الفكري والعقائدي خاصة في فكر الحركات الإسلامية ونظرتها إلى الدولة وطريقة الحكم و أستطيع أن أقول أن التجربة المصرية ستكون مشابهة إلى حدا كبير لتجربة التركية من ناحية نفوذ الجيش والقوى السياسية الفاعلة فيه .

الأثر الجيواستراتيجي :

كانت مصر عبر تاريخها الطويل حجر الزاوية و اللاعب الأبرز في المنطقة على الصعيد الإستراتيجي, فعدد سكانها الكبير وموقعها الجغرافي والقوة الناعمة التي تمتلكها خولتها أن تلعب دورا مهما على صعيد المنطقة والعالم فعلى امتداد التاريخ منذ الفترة الفرعونية إلى الخلافة الإسلامية إلى فترة محمد علي إلى الفترة الناصرية كانت مصر احد أقوى اللاعبين في منطقة الشرق الأوسط ولكن وخلال الفترة الماضية التي بدأت مع كامب ديفيد فقدت مصر الكثير على مستوى التأثير كما قلنا سابقا وفي حال نجحت الثورة المصرية الحالية في إنشاء دولة ديمقراطية حديثة تعبر عن تطلعات الشعب وإرادته سيكون لذلك أثر كبير على الواقع الإستراتيجي للمنطقة .

في حال وصول الثورة إلى الدولة الديمقراطية سيكون من الحتمي بل من المؤكد أن مصر سوف تصطدم بعد فترة بالقوى الإقليمية المحيطة خاصة إسرائيل والتي وفي غياب مصر وصل حجمها الإستراتيجي ونفوذها إلى حجم اكبر من حجمها الحقيقي .

وسيكون الاصطدام حتمي لوجود الكثير من القضايا الخلافية والتي قد تؤدي إلى تفجر الوضع مثل ( الوجود العسكري في سيناء – الغاز – منابع النيل - القضايا العربية ) فضلا عن أنة من الطبيعي أن يحدث الاصطدام لان مصر الديمقراطية ستحاول توسيع دائرة نفوذها بعد أن انكمشت في الفترة الماضية بسبب السياسات السابق ذكرها وذلك سيحدث صراع على المكان مع دائرة النفوذ الإسرائيلية المتضخمة في الفترة السابقة .

أما علاقة مصر مع الضلع الثاني في المعادلة الإستراتيجية الغربية لتعامل مع المنطقة والذي هو منابع النفط أعتقد أنة وعلى المدى الطويل سوف ترى الدول النفطية في الجزيرة العربية في القوة المصرية الناشئة البديل للقوة الأمريكية المتراجعة أمام النفوذ الصيني لتحقيق التوازن مع القوة الإيرانية , وأعتقد أن هذا الدور سوف يمتد إلى العراق وسوف يحقق حالة من التوازن مع القوة الإيرانية والتركية القوى الإقليمية الأصيلة في المنطقة , وأظن أن المثلث التركي المصري الإيراني سيكون المسيطر في المنطقة والسبب الأساسي في تقليص الدور الغربي فيها , خاصة أن كل من هذه الدول هي تعبير عن أمة أكبر فنفوذ تركيا وقوتها الناعمة يحتل مساحة تمتد من ألبانيا و وكوسوفو في القوقاز إلى أسيا الوسطى وصولا إلى الصين بسبب تواجد شعوب تركية خاصة في تركمانستان وفي الصحراء الصينية , أما النفوذ المصري فهو يشمل كل الوطن العربي والنفوذ الإيراني النابع من المرجعية الشيعية الدينية فيمتد من البحر المتوسط إلى حدود الهند .

وفي ظل هذا المثلث الذي سيتشكل بعد فترة من عودة مصر إلى دورها الطبيعي والرفض المستمر لتركيا في الإتحاد الأوروبي بسبب خلفيتها الإسلامية والحصار الدولي المستمر على إيران والتي سترى في كل من تركيا والعالم العربي فضاء للحركة وللعلاقات الاقتصادية سيكون موقف إسرائيل صعب للغاية وستنتقل من الفعل إلى ردة الفعل وأعتقد أن وجودها سيكون مهددا بشكل جدي خاصة مع تراجع القوة الغربية أمام القوى الناشئة مثل الصين والهند وتراجع قدرة نقل القوة للغرب في المستقبل الناتج عن التراجع الاقتصادي واعتقد أن الغرب سوف يراجع حساباته بعد فترة من الزمن خاصة عندما سيكون صراع النفوذ مع الصين والهند على أشده في منطق منابع النفط و في ظل وجود دول إقليمية تمتلك قرارها في المنطقة متمثلة في المثلث السابق ذكره هذا الأمر سوف يضع الغرب أمام خيارين أحلاهما مر إما التخلي عن إسرائيل أو فقدان نفوذها و امتيازاته الاقتصادية ما سيسرع من تراجعه إمام القوى الناشئة الهند والصين .

خلاصة الأمر سيكون لثورة المصرية أثر كبير على كل المستويات في حال نجحت في التحول إلى الدولة التي تعبر عن الإرادة الشعبية , الدولة التي ترعى مصالح شعبها و ترسم السياسات وتضع الخطط لنهوض والتطوير .

في النهاية أود أن أقول أننا نعيش اليوم لحظة مميزة على منحنى التاريخ صنعتها الروح البشرية الرافضة لظلم والقهر بفطرتها صنعتها إرادة الشعوب العربية والكثير من التضحيات ولذلك فهذه اللحظة تستحق منا الكثير من التأمل والتدبر وفي نفس الوقت يجب علينا أن نكون حذرين جدا فكل مطب نقع فيه سيكلف وقتا أكبر لتحقيق النهضة التي نتمناها جميعا والتي ستلقي بظلالها ليس فقط على العالم العربي بل على البشرية جمعاء

حسام العمري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق